
معهد الإعلام الأردني 2021 – إننا في القرنِ الواحد والعشرين نبحثُ دائمًا عن أسرعِ الطرق وأسهلها للحصول على ما نريد؛ وذلك لتسارعِ الحياةِ ومتطلباتها وظننا الدائم أننا نحتاجُ المزيدَ من الوقت. فأصبحنا نبتعد عن الطرق التقليديّة في استخداماتنا وحاجاتنا اليوميّة مستبدلينها آلاتٍ وأجهزةٍ حديثة.
لكنَّ أم علي ما زالت تتبع الطريقة التقليدية القديمة في صناعة دبس الرمان، رغم صعوبتها وحاجتها للكثيرِ من الوقتِ والجهد وهذا ما يجعل لِدبسها مذاقًا مميزًا مُختلفًا وثمنًا أعلى من غيره. يبدأ الموسم في نهاية شهر تشرين الأول من كلِّ عام. وترى المزارعين ينزلون إلى حقولهم زرافاتٍ ووحدانًا. وفي قريّة كفرسوم في أقصى شمال الأردن في محافظةِ إربد، ترى المواطنين يتجهون بهمةٍ عاليةٍ إلى حقولهم لقطفِ ثمار الرمان.



هنا في بيت أم علي وتحديدًا في “الحوش” تبدأ رحلة تصنيع دبس الرمان على الطريقةِ القديمة التقليديّة، وتتساعد الأسرة كاملةً في هذا الموسم، ولكلٍّ دوره. تجلس أم علي وكنائنها على الحصيرة لفرط الرمان يدويًا، ويوضع الرمان المفروط في إناءٍ بلاستيكيٍّ واسع.


تبدأ بعدها عملية عصر الرمان، تأخذ أم علي وكنائنها كميّة محددةً من الرمان المفروط وتضعها وسط قطعة قماشٍ مستطيلةٍ بيضاء اللون، وتضم أطراف القماش على بعضها فيصبح مستديرًا مغلقًا بإحكام. وتبدأ بالضغط عليه بقوّة مستخدمةً كلتا يديها لينعصر؛ فينزلُ سائلٌ قرمزي اللون ليسقط في قدرٍ كبير جُهز مسبقًا لهذه الغاية.
ويترك القدر ليغلي به سائل الرمان على نار الحطب في إحدى زوايا الـ “الحوش” حتى ينعقد “كما يقولون” ويصبح مزيجًا معقودًا من دبس الرمان. تستغرق هذه العمليّة ثماني ساعات إذا كان القدر ممتلأً ثم يطفئ عليه ويترك ثماني ساعات أخرى حتى يبرد. أما إذا كان ممتلأً حتى نصفه فيترك يغلي لأربع ساعات، بعد ذلك يعبئُ الدبس في عبواتٍ بلاستيكيّة ذوات سعة كيلو غرام لتباع العلبة بسعر ١٠ دنانير أردنيّة كدبس رمان طبيعي مصنوعًا يدويًا.

ربما ستظنون كما ظننت وكما هو بديهي أن البذور التي بقيت داخل قطعة القماش سترمى لكن عند أم علي لا يُلقى شيء دون الإستفادة منه ! ففي الجزء الخلفي للـ”الحوش” تجد بذور الرمان المعصورة متروكةً لتجف للاستفادة منها في فصل الشتاء كوقودٍ لـ “صوبات البواري”.

لاحظتُ أيضاً أن قشورُ الرمان أيضًاً تُجمع حتى تجف، تُجمع حتى تجف، ويأتي العطارون فيما بعد ليشتروها ويبيعوها كوصفةٍ طبيّةّ لمن يعانون من أمراض في المعدة.

تنتج أم علي ما يقارب ال ٢٠٠ كيلوغرام من الدبس سنويًا في موسم الرمان، تنتج أم علي ما يقارب الـ ٢٠٠ كيلوغرام من الدبس سنويًا في موسم الرمان، ويساهم هذا في زيادة دخلهم، يُخصص جزءٌ من الدبس أيضًا لكنائنها لبيعه أو تخزينه كمونة، وتعتمدُ في تسويق دبسها على معارفها وأقاربها وممن كان ولا زال يشتري منها، ولا تفُكر أبدًا في توسيع هذا المشروع الصغير؛ هكذا بدأَ من ثلاثة عقودٍ أو ما يزيد وهكذا اعتادت عليه، فأم علي إمرأة عصاميّةٌ ذات همةٍ عالية تنثر عبق همتها على كلّ من يحيطها، مُحبّة لما تقوم به ومنغمسةٌ في عملها كدأبها في كُل موسم، وتقوم بما تقوم به كأنها ترعى طفلًا وليدًا بحاجةٍ إلى الرعاية ويشاركها في ذلك رفيق عُمرها أبو علي الذي ورث حقل الرمان عن آبيه فهما يكملان بعضهما البعض، فعلبة الدبس التي تنتجها تحمل مع الرمّان مزيجا من المحبة والتعب والنَّفَسْ الطيّب.

ورغم دخول الآلات الحديثة في تصنيع الدبس، إلا أنه ما زال لأم علي زبائنها الذين ينتظرون إنتاجها السنوي في كل موسمٍ بفارغ الصبر.
وفي الجانب الآخر من تعامل أم علي وأبو علي مع ضيوفهم فهم في غاية الكرم والبشاشة وتجدُ هذا في إسقبالهم لضيوفهم وكأنهم يتعاملون مع أقاربٍ لهم طال غيابهم عنهم. خرجنا من عند أم علي وأبو علي ونحن نحمل أجمل الذكريات توّاقين إلى زيارتهم في العام المُقبل إن شاء الله، فقد شعرنا بأننا تركنا أهلًا لنا يتجب علينا زيارتهم في أي فرصة سانحة.