
مريانا الخوري
يجاهد الأردن لمواجهة أزمتة إزاء الجفاف جرّاء الانحباس المطري وارتفاع درجات الحرارة وشح المصادر المائية، اذ يعتبر الاردن مـن الـدول التي تتسم بشح المياه الكبيـر الـذي يـعـد أحـد اكبـر المعيقـات امـام التطـور الاقتصادي والتنموي فـي الأردن. وقـد تفاقم هذا الوضع بسبب الزيادة السكانية التي تضاعفت خلال العقدين الماضييـن جـراء النمـو السـكاني والهجـرات القسـريـة مـن الـدول المجاورة الـي الأردن، بالإضافة الى مشاكل المياه المشتركة والتغير المناخـي الـذي يؤثر على التزويـد المـائـي في الأردن حسب خبير المياة الدكتور الياس سلامة.
لقـد شـهدت المملكـة فـي العقديـن الماضييـن انخفاضـاً وتقلبـاً فـي الهطـول المطـري أسـهم فـي تفاقـم الضغـوط علـى مـوارد الميـاه المتاحـة، وتوزيعهـا والقـدرة علـى تحمـل التكاليـف مـن جانـب الحكومة والمواطـن، فضلاً عـن إعطـاء الأولويـة لاسـتخدام الميـاه العذبـة للأغـراض المنزليـة. ويقول الخبراء والمتنبئون إن حـدة الجفـاف سـتزداد فـي المسـتقبل، حيـث تشـير التنبـؤات إلـى إمكانيـة حـدوث الجفـاف مـرة واحـدة كل ثـلاث إلـى أربـع سـنوات.
وقال خبير المياه الدكتور الياس سلامه إن المـوارد المائيـة المتجـددة فـي الأردن تتسـم بمحدوديتهـا، وعـدم كفايتهـا لتلبيـة الطلـب عليهـا، وهنـاك دلائـل متزايـدة علـى الاسـتخدام الجائـر بشـكل متزايـد للعديـد مـن المصـادر المائيـة السـطحية والجوفيــة، إذ يبلــغ الاســتخراج الســنوي الآمــن للميــاه الجوفيــة حوالــي 418.5 مليــون متــر مكعـب، فيمـا وصـل الاسـتخراج الفعلـي لهـا لأكثـر مـن ٦٠٠ مليـون متـر مكعـب فـي العـام 2016، ممـا أدى لتدنـي نوعيـة الميـاه ونضـوب العديـد مـن الآبـار.
واضاف سلامة أن حصـة الفـرد مـن الميـاه المسـتدامة سـنويا انخفضت مـن حوالـي ٥٠٠ متـر مكعـب فـي العـام ١٩٧٥ إلـى ١٤٠ متـر مكعـب فـي العـام ٢٠١٠ و أقــل مــن ١٠٠ متــر مكعــب فــي العــام ٢٠١٧، وهــو رقــم يقــل بكثيــر عــن خــط الفقــر المائي العالمـي المقـدر بــ ١٠٠٠ متـر مكعـب للفـرد فـي السـنة لجميـع الاسـتخدامات. أما عن الواقع الحالي للمخزون الاستراتيجي للمياة داخل سدود المملكة التي يبلغ عددها ١٥ سدا رئيسيا حتى تاريخ ١٢/٣ بالتزامن مع المنخفض الجوي الاخير، قال الناطق الرسمي لوزارة المياة والري عمر سلامة إن المنخفض الجوي رفع حجم الامطار التراكمية الهاطلة منذ بداية الموسم المطري على كافة مناطق المملكة حوالي ٥٨٩٠ مليون متر مكعب، أما مياه الأمطار و الأودية فقد زودت السدود بنحو ١,٢٥٠ مليون متر مكعب بنسبة ٣٠% من طاقتها التخزينية, وتركزت الكميات الداخلة في السدود الشمالية أعلاها في سد الملك طلال ٨٠٠ الف متر مكعب، والذي يعد من أكبر سدود المملكة بسعة تخزينية مقدارها ٧٥ مليون متر مكعب وههو مصدر لتوليد الكهرباء والري, فيما شهدت السدود الجنوبية شحاً في منسوب المياه الداخلة لها.
أما عن كمية الامطار التي رفدت السدود التي تستخدم للشرب والري بين سلامة أن نسبة التخزين فيها متدنية مثل سد الموجب بنسبه ٣,٣٪ و سد الوحدة الذي بلغت نسبة التخزين فيه ١٤،٧٪ من المخزون الكلي, فيما بلغت نسبة التخزين في سد الوالة الذي يستخدم للتغذية الجوفية١٣،٧٪ علما بأن سعته التخزينيه تبلغ ٨,١٨ مليون متر مكعب, واوضح سلامة أن السدود الجنوبية التي تستخدم للري وللاستخدامات الصناعية بلغت نسبة التخزين فيها قليلة جدا مثل سد التنور الذي بلغت نسبة التخزين فيه اقل من واحد بالمئة مع العلم بأن سعته التخزينية تبلغ ١٦،٨ مليون متر مكعب وسدا الكرك واللجون حوالي ١٢% من مخزونهما الكلي.
أضاف سلامة أن منطقـة حـوض نهر الأردن ستشهد ازدياداً فـي حـدة الجفـاف فـي الفترة ٢٠٣١-٢٠٦٠، مقارنة مع الفتـرة ١٩٦١-١٩٩٠ بأعتبارها الفترة التي شهدت تأثر المملكة بتذبب معدل سقوط الامطار والتأثر بشكل واضخ بالتغير المناخي مع توقعات بازديـاد حـدة حـالات الجفاف وتكرارها وانخفاض حالات الجفاف المعتدل، نتيجـة تحولهـا لـحـالات جفاف شديدة وانه وقعت موجـات جـفـاف متعاقبـة ثلاث مرات على الأقل خلال السنوات الأربعين الماضية، ومن المتوقع مع ازدياد حالات الجفاف والتغيـر السـلبـي للمنـاخ فـي الأردن انخفاض وفرة المياه بنسبة تتراوح ما بين ١٥-٢٠%.
وأضاف سلامة أن الوزارة وضعت في استراتجيتها لفترة (٢٠١٦-٢٠٢٢) العديد من السياسات والاستراتيجيات والخطـط لتعزيـز وتنمية وإدارة استخدام الموارد المائية ومواجهة التحديات المستقبلية التي تواجـه هـذه الموارد ،وأن اهمها تقييم المخصصات المائية بين القطاعات بما في ذلك ادارة اثر الانشطة الزراعية باعتبار أن القطاع الزراعي يستهلك نحو ٥١% من اجمالي المياة المتاحة، مشيراً الى اهمية حماية مياة الشرب من التلوث وادماج مبادئ المحافظة على جودة المياة في الادارة المتكاملة لمصادر المياه في العديد من المؤسسات البيئية والمائية في الأردن لحمايتها من التلوث المباشر او غير المباشر، وأشار إلى أهمية زيادة سعة تخزين المياه السطحية واستخدامها بكفاءة, وأكد على ضرورة حماية الحقوق المائية المشتركه مع الدول المجاورة وتطوير خيارات معالجة المياة وتحليتها بشكل مستدام وبأسعار معقوله، وركز على أهمية منع الإفراط في استغلال المياة الجوفية وتحضير خطط إدارية لضمان وجود عائد آمن من المياة الجوفية المستخرجة وربط الإنتاج من الخزانات الجوفية بقدرتها على التزويد والحد من الاستخراج, وزيادة قدرات معالجة مياة الصرف الصحي لتواكب الإنتاج وإعادة استخدام المياة المعالجة في أنشطة توفر أعلى عائد اقتصادي وتخفيض فاقد المياة في إدارات المياة.
وأشار سلامة الى أن هناك العديد من التحديات التي تواجة إدارة الجفاف في الاردن اذ لا توجد تشريعات خاصـة تتناول الجفـاف كمـا هـو الـحـال مـع الـكـوارث الطبيعيـة الأخـرى، علـى الرغـم مـن إدراج الجفـاف علـى خـطـط عمل المـركـز الوطـنـي للأمـن وإدارة الأزمات، ولا تعامل حالات الجفـاف علـى أنـهـا كـوارث، بـل تعتبـر حـالات طـارئـة أو ظـروف متعلقة بنقص المياه.
وقال سلامة إن إدارة الجفاف في الأردن لا زالت قائمة على التفاعل مع الأزمات، وبمـا يعـرف بإجـراءات مـا بـعـد وقـوع الحـدث، أي أن الإجراءات تفتقد الاستباقية، عـدا عـن كـونـهـا مـوجـهـة أساسا للإغاثة، وذلك نتيجـة عـدم وجـود سياسـة وطنيـة عامـة لإدارة الجفاف ، تنبثـق عنهـا خـطـط عمل، وان الإجراءات الحالية للاستجابة للجفاف تفتقد إلى التنسيق، إذ تديرهـا أقسام مختلفـة داخـل سياسة المؤسسات المعنيـة المرتبطة بالموضـوع، لذلـك تبـرز حاجـة قطـاع الميـاه لسياسـات وتشريعات تدعم الجهود الوطنية المطلوبة لإدارة الجفاف أو معالجـة آثـاره ضمـن الأطـر الزمنية المناسبة، وأوضح عدم تـوفير المـوارد اللازمة للاستعداد للتخفيـف مـن موجـات الجفاف، والاستجابة لهـا، والتعـافـي منـهـا بطريقـة تتناسـب مـع التحـدي الـذي تمثلـه هـذه الكوارث.
وقال المزارع صادق الجالودي إنه يواجه الكثير من التحديات والمعيقات بسبب شح المياه اذ انه يدفع كلفاً اضافية لحماية محصولة الزراعي من الحشرات بسبب شح المياة في أجواء الغور الحارة.
وركز الجالودي على المزروعات مثل الملوخية والبامية والذرة التي تحتاج إلى كميات وفيرة من المياه، إذ قال إنه في حال قلّت كمية المياه الواردة لسقاية المزارع قد يضطر من يزرع هذه الاصناف إلى تخفيض المساحة المزروعة منها للنصف.
ومن جانبة أكد مدير الزراعة لمحافظة البلقاء قيس ابو عميرة أن الأردن يواجة تغيراً ملحوظاً في المناخ وارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة صيفا، وتأخر موسم الشتاء، وتراجعاً في نسبة هطول الأمطار، مما نتج عنه انخفاض كبير في مخزون المياه الجوفية وتضاؤل منسوب المسطحات المائية، لتغدو منطقة وادي الأردن والبحر الميت، الأكثر تضررا نتيجة التغير الذي ينعكس سلبا على قطاعات عدة، أهمها المياه والزراعة، اذ ادى حدوث الجفاف إلى الالحاق بأضرار هائلة و خسائر بالاقتصاد الوطنيّ اذ ان انخفاض منسوب المياة يؤدي الى موت المحاصيل الزراعيّة وحرقها وحدوث التصحر، الأمر الذي يؤدي إلى هجرة الفلاحين والمزارعين عن المنطقة، وينتج ايضاً حدوث العديد من العواصف الترابيّة، وهذا يؤدي إلى نقصٍ حاد في مياه الري، بالإضافة للقضاء على الثروة الحيوانيّة بسبب شح المياه، واندلاع العديد من الحرائق الناجمة عن حدوث الجفاف و التصحر. وأشار ابو عميرة إلى الجهود المبذولة في العمل على إنجاح مشروع التحريج الوطني، الذي اطلقته وزارة البيئة بالتعاون مع وزارة الزراعة، ومساهمة الجمعية الأردنية لمكافحة التصحر. وأضاف ان وزارة الزراعة قامت بإنشاء ١٥٠٠ بئر لتجميع المياة في مناطق الوديان والمناطق قليلة المياه، كما وتقوم وزارة الزراعة بصرف مبلغ قيمته ٢٠٠٠ دينار لكل مزارع يمتلك مزرعة مساحتها ثلاثة دونمات لحفر الابار لتجميع مياة الأمطار وذلك للحد من الجفاف وذكر ان مخزون السدود الحالي لا يكفي لسد الحاجات الزراعية ولذلك قامت الوزارة بدعم المزارعين مالياً لحفر الأبار لجمع مياه الامطار.
ومن هنا وبعد الاطلاع على استراتيجيات الوزارات المختصة في مواجهة كارثة الجفاف والتي بحسب رأي خبير المياة الدكتور الياس سلامة ان الجفاف واقع يجب مواجهته اذ واكد خبير المناخ المهندس بشار زيتون ان الاردن سيواجه في المستقبل العديد من موجات الجفاف لأن الاردن يقع ضمن مناخ حوض البحر الابيض المتوسط، والسؤال هنا. هل الاستراتيجيات التي قامت الوزارات بطرحها كافية لمواجهة هذه الكارثة العالمية؟ وهل هذه الاستراتيجيات والخطط قائمة على مراحل زمنية واضحة لتنفيذها؟ وكم فترة زمنية تحتاج؟ وهل هناك تمويل كاف لتفيذ هذه الاستراتيجيات؟